كلنا يعلم فضائل عشر ذو الحجة ، وأقدم لكم تفصيل ذلك :
( بسم الله الرحمن الرحيم )
الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا 0
أما بعد : فإن شهر ذي الحجة شهر كريم وموسم عظيم شهر الحج شهر المغفرة والوقوف بعرفة شهر يتقرب فيه المسلمون إلى الله بأنواع القربات من حج وصلاة وصوم وصدقة وأضاحي وذكر الله ودعاء واستغفار ، والعشر الأول عشر مباركات وهن الأيام المعلومات ، قال تعالى في محكم كتابه : ( وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ ) ( سورة الحج - الآية 27 ) 0
قال ابن عباس : ( أيام العشر ) ( تفسير ابن كثير ) 0 وأقسم الله بهن في محكم الآيات في قوله : ( وَالْفَجْرِ وَلَيَالٍ عَشْرٍ ) ( سورة الفجر - الآية 2 ) فهي أفضل من كل عشر سواها والعمل فيها أفضل من العمل في غيرها 0
* فضائلها :
أولاً : أنها أفضل أيام السنة :
روى البخاري في صحيحه من حديث ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( ما العمل في أيام العشر أفضل من العمل في هذه قالوا ولا الجهاد قال ولا الجهاد إلا رجل خرج يخاطر بنفسه وماله فلم يرجع بشيء ) 0
ومعنى الحديث : أن العمل في هذه الأيام يفوق على ذلك العمل في غيره من الأيام ، فمن عمل صالحا في هذه الأيام يضاعف له بما لا يضاعف للأعمال الصالحات في الأيام الأخرى ، مهما كانت منزلة تلك الأعمال ، فأجورها أقل من أجر الصالحات التي تجري في هذه الأيام ، فلو جرى من المسلم في هذه الأيام ذكر وصلاة ضحى وقيام ليل وأي عمل صالح ، فإن أجر هذه الأعمال في أيام عشر ذي الحجة ، لا يساويه شيء من الأجر فيما سواها من الأيام مطلقا 0
وروى الإمام أحمد و الطبراني ولفظه : ( ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إليه العمل فيهن من هذه الأيام العشر فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد) 0
أي : أكثروا فيهن من قول : ( سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ) 0
ثانياً : أن فيها يوم عرفة :
فقد عظم الله أمره ورفع على الأيام قدره وقد أقسم الله به في قوله تعالى : ( وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ ) ( سورة الفجر - الآية 3 ) 0
فالوتر يوم عرفة ، والشفع يوم النحر ( كما جاء في مسند الإمام أحمد ) 0
وفي قوله تعالى : ( وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ ) ( سورة البروج - الآية 3 ) 0
الشاهد يوم الجمعة ، والمشهود يوم عرفة ( كما جاء في مسند الإمام أحمد ) 0
وأن الله أنزل فيه : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً ) ( سورة المائدة - الآية 3 ) 0
فهو يوم إكمال الدين وإتمام النعمة ويوم مغفرة الذنوب والتجاوز عنها والعتق من النار 0
وعن عائشة - رضي الله عنها - أن رسول صلى الله عليه وسلم - الله قال : ( ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدا من النار من يوم عرفة وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة فيقول ما أراد هؤلاء ) ( أخرجه الإمام مسلم في صحيحه ) 0
فمن طمع بالعتق من النار ومغفرة ذنوبه في يوم عرفة فليحافظ على الأسباب التي يرجى بها العتق والمغفرة 0
* فضائل يوم عرفة :
1)- أكثر يوم يعتق فيه من النار :
عن عائشة – رضي الله عنها – قالت : قال رسول الله e : ( ما من يوم أكثر من أن يعتق الله عز وجل فيه عبداً من النار من يوم عرفة ، وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة فيقول : ماذا أراد هؤلاء ) ( السلسلة الصحيحة 2551 ) 0
قال ابن عبدالبر – رحمه الله - : ( وهذا يدل على أنهم مغفور لهم لأنه لا يباهي بأهل الخطايا إلا بعد التوبة والغفران والله أعلم ) ( التمهيد – 1 / 120 ) 0
2)- يباهي الله سبحانه وتعالى ملائكته عشية عرفة :
عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن الله يباهي بأهل عرفات أهل السماء ، فيقول لهم : انظروا إلى عبادي هؤلاء جاءوني شُعثاً غُبراً ) ( صحيح الجامع 1867 ) 0
3)- الرحمة والمغفرة :
عن ابن عمر – رضي الله عنه – قال : جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن قال : ( وأما وقوفك بعرفة فإن الله تبارك وتعالى ينزل إلى سماء الدنيا فيباهي بهم الملائكة ، فيقول : هؤلاء عبادي جاءوا شعثاً غبراً من كل فج عميق ، يرجون رحمتي ، ويخافون عذابي ، ولم يروني ، فكيف لو رأوني ؟ فلو كان مثل رمال عالج أو مثل أيام الدنيا ، أو مثل قطر السماء ذنوباً ، غسلها الله عنك ، وأما رميك الجمار فإنه مذخور لك ، وأما حلقك رأسك فإن لك بكل شعرة تسقط حسنة ، فإذا طفت بالبيت خرجت من ذنوبك كيوم ولدتك أمك ) ( قال الألباني حديث صحيح ، أنظر " صحيح الترغيب والترهيب " – 9 ، 10 ، 11 ، 21 ، 35 ، 35 ، 36 / 2 ) 0
4)- تصاغر الشيطان في هذا اليوم :
عن طلحة بن عبيدالله بن كريز – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله e : ( ما رئي الشيطان يوماً هو فيه أصغر ولا أحقر ولا أدحر ولا أغيظ منه يوم عرفة ، مما يرى من نزول الرحمة ، وتجاوز الله تعالى عن الأمور العظام ، إلا ما روؤي يوم بدر ، قبل : وما رأى يوم بدر ؟ قال : إنه رأى جبريل يزع الملائكة ) ( أخرجه عبدالرزاق في مصنفه – برقم ( 8832 ) ، والإمام مالك في " الموطأ " – 1/369 ، قال ابن عبدالبر في " التمهيد ( 9 / 196 ) : وهو حديث مرسل " ، قال شعيب الأرناؤوط في تحقيقه لشرح السنة ( 7 / 158 ) : إسناده صحيح ، وقال الألباني : " حديث ضعيف " – أنظر ضعيف الترغيب والترهيب 1 / 367 ، وأعله بالإرسال 0 قال ابن حجر في " قوة الحجاج – ص 42 " : وصله الحاكم عن أبي الدرداء ) 0
5ـ)- أن الله يهب المسيء للمحسن ، ويعطي المحسن ما سأل :
عن بلال بن رباح – رضي الله عنه – أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له غداة جمع : ( يا بلال أسكت الناس – أو أنصت الناس – ثم قال : إن الله تطاول عليكم في جمعكم هذا ، فوهب مُسيئكم لمحسِنِكم ، وأعطى محسِنكم ما سأل ، ادفعوا باسم الله ) ( قال الألباني حديث صحيح ، أنظر صحيح الترمذي 705 ) 0
6)- خير الدعاء يوم عرفة :
عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( خير الدعاء دعاء يوم عرفة وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ) ( صحيح الجامع 1102 ) 0
7)- من ملك فيه سمعه وبصره ولسانه غفر له :
عن عبدالله بن عباس - رضي الله عنه - أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : : ( يوم عرفة من ملك فيه سمعه وبصره ولسانه غفر له ) ( وفيه [ سكين بن عبد العزيز ] فيما يرويه بعض النكرة بعضها يحمل بعضا ولا بأس به لأنه يروي عن قوم ضعفاء ولعل البلاء منهم ليس منه - المحدث : ابن عدي - الكامل في الضعفاء - 4 / 546 ) 0
- صيام ذلك اليوم لغير الحاج :
عن أبي قتادة - رضي الله عنه -أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده ) ( أخرجه الإمام مسلم في صحيحه ) 0
ثالثاً : أن فيها يوم النحر:
وهو أفضل أيام السنة كما قال ابن القيم رحمه الله : ( خير الأيام عند الله يوم النحر , وهو يوم الحج الأكبر ) 0
وجاء في ذلك عن عبد الله بنِ قُرْطٍ - رضي الله عنه - عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال : ( إنّ أَعْظَمَ اْلأيّامِ عِنْدَ الله يَوْمُ النّحْرِ ثُمّ يَوْمُ الْقَرّ ) ( رواه الإمام أحمد وأبو داود وصححه الألباني ) 0
وإذا تبين لك أخي المسلم فضل العمل في عشر ذي الحجة على غيره من الأيام فحري بك أن تخص هذه العشر بمزيد عناية واهتمام ، وأن تحرص على مجاهدة نفسك بالطاعة فيها ، وأن تكثر من أوجه الخير وأنواع البر ، فقد كان هذا هو حال السلف الصالح في مثل هذه المواسم .
* الأعمال المستحبة في عشر ذي الحجة :
أولاً : أداء مناسك الحج والعمرة :
وهما أفضل ما يعمل في عشر ذي الحجة ، ومن يسّر الله له حج بيته أو أداء العمرة على الوجه المطلوب فجزاؤه الجنة ؛ لما ثبت من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة ) ( متفق عليه ) 0
ثانياً : الصلاة :
وهي من أجلّ الأعمال وأعظمها وأكثرها فضلاً ، ولهذا يجب على المسلم المحافظة عليها في أوقاتها مع الجماعة ، وعليه أن يكثر من النوافل في هذه الأيام ، فإنها من أفضل القربات ، لما ثبت من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه : ( وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ) ( أخرجه الإمام البخاري في صحيحه ) 0
ثالثاً : الصيام :
وهو يدخل في جنس الأعمال الصالحة ، بل هو من أفضلها ، فقد ثبت عن حديث هنيدة بن خالد عن امرأته عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت : ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصوم تسعا من ذي الحجة ، ويوم عاشوراء ، وثلاثة أيام من كل شهر ، أول اثنين من الشهر وخميسين ) ( صحيح النسائي 2416 ) 0
أضافة الله إلى نفسه لعظم شأنه وعلو قدره ، فقال سبحانه في الحديث القدسي لما ثبت من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( كل عمل بن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به ) ( متفق عليه ) 0
وما ثبت من حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال : سمعت لاسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( من صام يوما في سبيل الله باعَد الله وجهه عن النار سبعين خريفا ) ( متفق عليه ) 0
وقد خص النبي صلى الله عليه وسلم صيام يوم عرفة لغير الحاج من بين أيام عشر ذي الحجة بمزيد عناية ، كما جاء في حديث أبي قتادة السابق الذكر .
وكان أكثر السلف يصومون العشر ، منهم : عبد الله بن عمر، والحسن البصري، وابن سيرين ، وقتادة ، ولهذا استحب صومها كثير من العلماء 0
قال الإمام النووي - رحمه الله - عن صوم أيام العشر : ( أنه مستحب استحبابًا شديدا ) 0
رابعاً : الذكر بصفة عامة والتهليل والتكبير والتحميد بصفة خاصة :
لما ثبت من حديث عبدالله بن عمر - رضي الله عنهما - عن النبي صلى الله عليه وسلم قال أنه قال : ( ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إليه من العمل فيهن من هذه الأيام العشر فاكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد ) ( حديث حسن - ابن حجر العسقلاني - الأمالي المطلقة - الصفحة أو الرقم 14 ) 0
وكان ابن عمر وأبو هريرة - رضي الله عنهما - يخرجان إلى السوق في أيام العشر يكبران ، ويكبر الناس بتكبيرهما 0
وحري بنا نحن المسلمين أن نحيي هذه السنة التي قد ضاعت في هذه الأزمان ، وتكاد تنسى حتى من أهل الصلاح والخير - وللأسف - بخلاف ما كان عليه السلف الصالح 0
وقد جاء في عظم الذكر ما رواه أبو الدرداء - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وأرفعها في درجاتكم وخير لكم من إنفاق الذهب والورق وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم قالوا بلى قال ذكر الله تعالى فقال معاذ بن جبل رضي الله عنه ما من شيء أنجى من عذاب الله من ذكر الله ) ( صحيح ابن ماجة 3057 ) 0
وقد ثبت في الترمذي ما رواه عبد الله بن بسر المازني - رضي الله عنه - أن رجلاً قال : يا رسول الله إن شرائع الإسلام قد كثرت علي وأنا قد كبرت فأخبرني بشيء أتشبث به قال : ( لا يزال لسانك رطبا بذكر الله تعالى ) ( حديث حسن - ابن حجر العسقلاني - نتائج الأفكار - 1 / 93 ) 0
أسأل الله أن ينفع بها ، بارك الله فيكم ، وزادكم الله من فضله ومنه وكرمه ، مع تمنياتي لكم بالصحة والسلامة والعافية :
أخوكم المحب
/